وابن حبيب رحمهالله من أجلّة العلماء.
وقال النوويّ في كتاب «رءوس المسائل» عن الحافظ أبي موسى الأصبهانيّ : إنّه روى عن مالك بن أنس الإمام رحمهالله أنّه قال : إذا أراد الرجل أن يأتي قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيستدبر القبلة ، ويستقبل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويصلّي عليه ويدعو.
ورأيت في شرح كتاب عبد الله بن عبد الحكم الكبير ، لأبي بكر محمّد بن عبد الله بن صالح الأبهريّ في كتاب الجامع : قال ابن وهب : سئل مالك : أين يقف من أراد التسليم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من القبر؟
قال : عند الزاوية التي تلي القبلة ممّا يلي المنبر مستقبل القبلة ، ولا احبّ أنّ يمسّ القبر بيده.
إنّما قال ذلك لأنّه شاهد الناس يسلّمون على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فاستحبّ الاقتداء بهم ، ولا يمسّ قبره ولا حائطه ؛ تعظيماً له ، ولأنّ ذلك لم يكن عليه فعل من مضى.
وهذه النسخة يحتمل أن تكون غلطاً ؛ لأنّ رواية ابن وهب عن مالك ـ كما تقدّم (١) ـ أنّ المسلّم يستقبل القبر ، لا القبلة ، ويشهد لها رواية أبي موسى ، وكلام المالكيّة.
ويحتمل أن يكون عنه في ذلك روايتان ، إحداهما : كمذهب أبي حنيفة رحمهالله والاخرى : هي المشهورة.
ولو ثبت عن مالك وعن غيره أنّ الأولى استقباله القبلة في الدعاء لا القبر ، لم يكن في ذلك شيء من منع الزيارة ولا السفر ، ولا مانعاً من تعظيم القبر.
ومن اعتقد ذلك فقد ضلّ.
وكلّ ما ذكره بعد ذلك تقدّم الجواب عنه ، وأنّه لا يدلّ على مقصوده.
__________________
(١) تقدّم ص ٢٨٣.