«ونشهد في سورة المجادلة ، بصفة خاصة ، صورة موحية من رعاية الله جلّ جلاله للجماعة الناشئة ، وهو يصنعها على عينه ، ويربيها بمنهجه ، ويشعرها برعايته ، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده سبحانه معها ، في أخصّ خصائصها ، وأصغر شؤونها ، وأخفى طواياها ، وحراسته لها من كيد أعدائها ، خفيّة وظاهرة ، وأخذها في حماه وكنفه ، وضمّها الى لوائه وظلّه ، وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله ، وتنتسب إليه ، وترفع لواءه في الأرض» (١).
قصة المجادلة
سمّيت سورة «المجادلة» بهذا الاسم لاشتمالها على قصة المرأة المجادلة ، وقد افتتح الله بها السورة حيث قال سبحانه : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (١).
وقد روى الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود في كتاب الطلاق من سننه ، عن خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة ، قالت : كنت عنده ، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت : فدخل عليّ يوما ، فراجعته بشيء فغضب فقال ، أنت عليّ كظهر أمي.
وكان الرجل ، في الجاهلية ، إذا قال ذلك لامرأته حرّمت عليه ؛ وكان ذلك أول ظهار في الإسلام ، فندم أوس لساعته ثم دعاها لنفسه (طلب ملامستها) فأبت وقالت : والذي نفسي بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله ، فأتت الى رسول الله (ص) فقالت : يا رسول الله إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابة غنية ذات أهل ومال ، حتى إذا أكل مالي ، وأفنى شبابي ، وتفرّق أهلي ، وكبرت سنّي ظاهر منّي ، وقد ندم فهل من شيء تجمعني به وإياه تفتيني به؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه : حرّمت عليه ، أوما أراك الّا حرمت عليه. فأعادت الكرّة ، والرسول عليه الصلاة والسلام يعيد عليها الجواب نفسه ، حتى قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ، قد طالت له صحبتي ،
__________________
(١). في ظلال القرآن ، بقلم سيّد قطب ٢٨ : ٨.