الإسلام مجاملة لأهله ، وأن يبيّتوا الكيد والخداع للمسلمين.
وقد قبل النبي (ص) من الناس ظواهرهم ، وترك بواطنهم الى الله. ولكن الأحداث كانت تعرّف المسلمين بهؤلاء المنافقين ، فإذا وقع المسلمون في شدة أو انهزموا في معركة ، تجرّأ هؤلاء المنافقون على تجريحهم والتشهير بهم جهارا نهارا. وإذا أنعم الله على المؤمنين بالنصر ، اختبأ المنافقون في جحورهم ، وغيّروا طريقتهم ، وانتقلوا من باب المواجهة إلى الكيد والدّسّ في الخفاء.
وكان اليهود في المدينة يكوّنون جبهة قوية ، وقد ساندوا المنافقين وشجّعوهم ، وكوّن الطرفان جبهة متّحدة لمناوأة الإسلام والمسلمين.
وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول زعيم المنافقين بالمدينة ، وكان من وجهاء الأنصار ، وكان قومه ينظمون له الخرز ليتوّجوه ملكا عليهم. فلمّا جاء الإسلام للمدينة ، وتعاظمت قوّة المسلمين يوما بعد آخر ، وأصبح النبيّ الأمين صاحب الكلمة النافذة ، والأمر المطاع ، اشتدّ حقد عبد الله بن أبيّ لضياع الملك من بين يديه ، وكوّن جبهة للنفاق تشيع السوء والفتنة ، وتدبّر الكيد والأذى للمسلمين.
وشاء الله ، سبحانه ، أن يمتحن المسلمين بوجود اليهود في المدينة ، وبوجود المنافقين فترة طويلة صاحبت نشوء الدعوة بالمدينة. ولم يشأ الله ، جل جلاله ، أن يعرّف النبي (ص) بأسمائهم إلّا في آخر حياته ، وقد أخفى النبي (ص) أسماءهم عن الناس ، وأعلم واحدا فقط من الصحابة بها ، هو النعمان بن مقرن ، ليظلّ أمرهم مستورا.
وكان بعضهم ينكشف أمره من سلوكه وفعله ، وقوله ، وقسمات وجهه ، وتعبيراتها. قال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) (٣٠) [محمد].
قصة نزول السورة
في كثير من كتب التفسير والسيرة : أن هذه السورة نزلت في أعقاب غزوة بني المصطلق ، وقد انتصر فيها المسلمون ، وغنموا غنائم كثيرة ، وقد وقعت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة (ديسمبر ٦٢٦ م). وبعد