المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «المجادلة» (١)
يقول تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [الآية ٧].
ظاهر هذا الكلام : محمول على المجاز والاتساع ؛ لأنّ المراد به إحاطته تعالى بعلم نجوى المتناجين ، ومعاريض المتخافتين ؛ فكأنّه سبحانه يعلم جميع ذلك ، سامع للحوار ، وشاهد للسّرار.
ولو حمل هذا الكلام على ظاهره لتناقض. ألا ترى أنه تعالى لو كان رابعا لثلاثة في مكان على معنى قول المخالفين ، استحال أن يكون سادسا لخمسة في غير ذلك المكان إلّا بعد أن يفارق المكان الأوّل ، ويصير إلى المكان الثاني ؛ فينتقل كما تنتقل الأجسام ، ويجوز عليه الزوال ، والمقام ، تنزّه سبحانه عن هذا السياق ، وهذا واضح بحمد الله وتوفيقه.
وفي قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [الآية ١٢] استعارة. وقد مضت لها نظائر كثيرة.
والمراد بقوله تعالى : (بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) أي أمام نجواكم ، وذلك كقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] أي مطرقة أمام الغيث الوارد ، ومبشّرة بالخير الوافد.
وفي قوله سبحانه : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الآية ١٦]
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.