المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «القمر» (١)
في قوله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢) استعارة ؛ والمراد ، والله أعلم ، بتفتيح أبواب السماء تسهيل سبل الأمطار حتى لا يحبسها حابس ، ولا يلفتها لافت. ومفهوم ذلك إزالة العوائق عن مجاري العيون من السماء ، حتى تصير بمنزلة حبيس فتح عنه باب ، أو معقول أطلق عنه عقال. وقوله تعالى : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢) أي اختلط ماء الأمطار المنهمرة ، بماء العيون المتفجرة ، فالتقى ماءاهما على ما قدره الله سبحانه ، من غير زيادة ولا نقصان. وهذا من أفصح الكلام ، وأوقع العبارات عن هذه الحال.
وفي قوله سبحانه : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥) ولفظ إلقاء الذّكر مستعار : والمراد به أن القرآن لعظم شأنه ، وصعوبة أدائه ، كالعبء الثقيل الذي يشقّ على من حمله ، وألقي عليه ثقله.
وكذلك قال تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥) [المزمّل]. وكذلك قول القائل : «ألقيت على فلان سؤالا ، وألقيت عليه حسابا» أي سألته عمّا يستكدّ له هاجسه ، ويستعمل به خاطره.
وفي قوله سبحانه : (بَلِ السَّاعَةُ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.