المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الرحمن» (١)
في قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦) ، استعارة : فالنجم هاهنا ما نجم من النبات. أي طلع وظهر. والمراد بسجود النبات والشجر ، والله أعلم ، ما يظهر عليها من آثار صنعة الصانع الحكيم ، والمقدّر العليم ، بالتنقّل من حال الإطلاع ، الى حال الإيناع ، ومن حال الإيراق الى حال الإثمار ، غير ممتنعة على المصرّف ، ولا آبية على المدبّر.
وفي قوله سبحانه : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٧) ، نلاحظ أن لفظ الميزان هاهنا مستعار ، على أحد التأويلين. وهو أن يكون معناه العدل الذي تستقيم به الأمور ، ويعتدل عليه الجمهور. وشاهد ذلك قوله تعالى : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء : ٣٥] أي بالعدل في الأمور.
وروي عن مجاهد (٢) أنه قال : القسطاس : العدل بالرومية. ويقال : قسطاس ، وقسطاس. بالضم والكسر ، كقرطاس وقرطاس.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هو من المفسرين الأوّلين للقرآن الكريم ، والمشهور أنه أول من دوّن في التفسير. وتفسيره غير موجود. ولعل الموجود هو تفسير ابن عبّاس رواه مجاهد. وذكر ابن عطية في «مقدمته» أن صدر المفسرين ، والمؤيد فيهم ، هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن عبّاس ، ويتلوه مجاهد وسيعد بن جبير وغيرهما ، ويذكر ابن عطية أن مجاهدا قرأ على ابن عبّاس ، قراءة تفهّم ووقوف ، عند كل آية. وذكر جرجي زيدان ، أن مجاهدا توفي سنة ١٠٤ ه. انظر «تاريخ آداب اللغة العربية» ج ١ ص ٢٠٥ ، و «مقدّمتان في علوم القرآن» بتحقيق المستشرق أرثر جفري ، ونشر مكتبة الخانجي.