ونثرت له بطني ، وإنّ له صبية صغارا ، ان ضممتهم إليّ جاعوا ، وإن ضممتهم إليه ضاعوا ؛ وجعلت ترفع رأسها الى السماء ، وتستغيث وتتضرّع ، وتشكو الى الله ، فنزلت الآيات الأربع من صدر سورة المجادلة. فقال رسول الله (ص) يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ، ثم تلا عليها الآيات. وقال لها (ص) مريه فليعتق رقبة ، قالت يا رسول الله ليس عنده ما يعتق ، قال فليصم شهرين متتابعين قالت والله إنه لشيخ ماله من صيام ، قال : فليطعم ستين مسكينا وسقا (١) من تمر ، قالت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده ، فقال رسول الله (ص) : «فإنّا سنعينه بعرق من تمر». قالت : يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر. قال الرسول : «قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدّقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا» ، قالت : ففعلت.
تلك قصة الظّهار ، وهي تشير الى رعاية السماء لهذه الجماعة المؤمنة ، ونزول الوحي يجيب عن أسئلتها ويحلّ مشاكلها ، ويربّي نفوسها ، ويهذّب أخلاقها ، ويأخذ بيدها إلى الصراط القويم. وقد تضمّنت الآيات ، إحاطة السميع البصير بكل صغيرة وكبيرة ، واطّلاعه على جميع الأعمال ؛ وبينت أن المسارعة إلى ألفاظ الظّهار والطلاق منكر وزور ؛ وأنّ الزوجة غير الأم ، فالأم حملت وأرضعت ، وقد حرّم الله تعالى على الإنسان الزواج بأمه. والزوجة أحلّ الله زواجها.
ثم رسم القرآن الكريم طريق الحل لمن بدرت منه بادرة بالظّهار ، فقال لامرأته أنت عليّ كظهر أمي ، ثم أراد أن يرجع عن ذلك ، وأن يراجع زوجته ؛ فعليه أن يكفّر عن هذا الذنب ، بتحرير رقبة ؛ فإن لم يجد ، فبصوم ستين يوما ، فإن لم يستطع ، فعليه إطعام ستين مسكينا ؛ وفي ذلك نوع من التهذيب والتأديب ، حتّى يضبط الناس أعصابهم ويحفظوا ألسنتهم في ساعة الغضب والتهوّر.
أهداف السورة
تبدأ السورة بهذه البداية الكريمة ، وهي سماع الله العليّ القدير ، شكوى امرأة فقيرة مغمورة ، وقد استمع إليها
__________________
(١). الوسق (بفتح الواو ، وكسرها) : مكيلة معروفة.