من غدر بكر بهم ومعاونة قريش عليهم ، وأنشد عمرو بن سالم ، بين يديه :
يا ربّ إنى ناشد محمّدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
هم بيّتونا بالوتير هجّدا |
|
وقتلونا ركّعا وسجّدا |
فانصر هداك الله نصرا أيّدا |
|
وادع عباد الله يأتوا مددا |
فقال له رسول الله (ص) نصرت يا عمرو بن سالم.
وأخذ رسول الله يتجهّز لفتح مكّة ، وطوى الأخبار عن الجيش كي لا يشيع الأمر فتعلم قريش فتستعدّ للحرب ، والرسول الأمين لا يريد أن يقيم حربا بمكّة ، بل يريد انقياد أهلها مع عدم المساس بهم ، فدعا الله قائلا : «اللهمّ خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها».
حاطب يفشي السر
كان حاطب من كبار المسلمين ، وقد شهد مع النبي غزوة بدر مخلصا في جهادها ، ولكنّ في النفس الانسانية جوانب ضعف تطغى في بعض الأحيان عليها ، وتهوي بها من المنازل العالية الى الحضيض. لقد كتب حاطب كتابا إلى قريش ، يخبرهم فيه بعزم المسلمين على فتح مكّة ، واستأجر امرأة من مزينة تسمّى سارة ، وجعل لها عشرة دنانير مكافأة ، وأمرها ان تتلطّف وتحتال حتّى توصل كتابه الى قريش ، فأخذت المرأة الكتاب فأخفته ، وسلكت طريقها الى مكة. ثم أخبر الله رسوله بما صنع حاطب ، فأرسل النبيّ علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في إثر المرأة ، فأدركاها في الطريق ، واستخرجا منها الكتاب ، فأحضراه الى رسول الله (ص) ؛ فدعا رسول الله (ص) حاطبا ، فأطلعه على الكتاب ، ثم قال له : ما حملك على هذا؟ فقال حاطب : يا رسول الله لا تعجل عليّ ، فو الله إنّي لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكنّي كنت امّرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ولم أفعل ذلك ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإيمان. ورأى النبيّ صدق لهجة حاطب ، وحسن نيّته في ما أقدم عليه من ذلك