المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «المجادلة» (١)
١ ـ قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الآية ٥].
وقوله تعالى : (يُحَادُّونَ) أي : يعادون ويشاقّون.
أقول : الفعل «حادّ» على «فاعل» والإدغام واجب جرت عليه العربية ، فأما قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) [النساء : ١١٥] ، فقد فكّ الإدغام فيه لحاجة صوتية يقتضيها حسن الأداء (٢) ، والله أعلم. وأما قوله تعالى : (كُبِتُوا) فمعناه : أخزوا وأهلكوا.
أقول : هذا معنى «الكبت» في لغة التنزيل ، ولا أدري كيف أدرك المعاصرون من أصحاب علم النفس هذه المادة ، فصنعوا منها مصطلحا ، هو «الكبت» بمعنى أن الإنسان يكظم ويخفي من الأفكار والمعضلات والهموم ، ما يدفعه إلى سلوك خاص أو تصرّف مشين.
والذي أراه في هذه الحال أن يلجأ إلى كلمة أخرى ، هي «الزّمّ» التي تفي بمعنى الإخفاء والكظم ...
٢ ـ وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [الآية ٨].
أقول : «النّجوى» هي المسارّة ، وتكون في الخير والشر ، والمراد بها في الآية «النجوى» التي هي الإثم والكفر ، ويدلّنا على ذلك الفعل في الآية الكريمة : (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). على أنه ورد قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٤) [الحشر].