المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الحديد» (١)
في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣) استعارة عليه سبحانه ، كإطلاقنا لذلك على غيره ، لأنه سبحانه لا يأتي بالكلام المستعار ، المجاز عليه ، ولكن لأن ذلك اللفظ أبعد في البلاغة منزعا ، وأبهر في الفصاحة مطلعا.
والواحد منّا ، في الأكثر ، إنما يستعير أغلاق الكلام ، ويعدل عن الحقائق إلى المجازات ، لأن طرق القول ربما ضاق بعضها عليه فخالف إلى (٢) ... بقية الكلام وربما استعصى بعضها على فكره فعدل إلى المطاوعة.
معنى قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ) أي الذي لم يزل قبل الأشياء كلها ، لا عن انتهاء مدة ، (وَالْآخِرُ) أي الذي لا يزال بعد الأشياء كلّها لا إلى انتهاء غاية.
(وَالظَّاهِرُ) المتجلّي للعقول بأدلّته ، (وَالْباطِنُ) أي الذي لا تدركه أبصار بريّته.
وقال بعضهم : قد يجوز أن يكون معنى الظاهر هاهنا أي العالم بالأشياء كلها. من قولهم : ظهرت على أمر فلان أي علمته. ويكون الظاهر مخصوصا بما كان في الوجود والجهر ، ويكون الباطن مخصوصا بما كان في العدم والسر.
وتلخيص معنى الظاهر والباطن ، أنه
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هنا لفظة غير واضحة.