المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الممتحنة» (١)
في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الآية ١]. استعارة على أحد التأويلين ، وهو أن يكون المعنى : تلقون إليهم بالمودة ليتمسّكوا بها منكم. كما يقول القائل : ألقيت إلى فلان بالحبل ليتعلّق به ، وسواء أقال : ألقيت بالحبل ، أم ألقيت الحبل. وكذلك لو قال : ألقيت إلى فلان بالمودة ، أو ألقيت إليه المودّة. وكذلك قولهم : رميت إليه بما في نفسي ، وما في نفسي ، بمعنى واحد.
وقال الكسائي : تقول العرب : ألقه من يدك ، وألق به من يدك ، واطرحه من يدك ، واطرح به من يدك ، كلام عربي صحيح. وقد قيل : إن في الكلام مفعولا محذوفا ، فكأنه تعالى قال : تلقون إليهم أسرار النبي (ص) بالمودة التي بينكم. وهذه الآية نزلت في قوم من المسلمين ، كانوا يخالّون قوما من المنافقين ، فيتسقّطونهم أسرار النبي (ص) ، استزلالا لهم ، واستغمارا لعقولهم.
وفي قوله سبحانه : (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [الآية ٢] استعارة. لأنّ بسط الألسن على الحقيقة لا يتأتّى كما يتأتّى بسط الأيدي ؛ وإنّما المراد إظهار الكلام السيّئ فيهم بعد زمّ الألسن عنهم ، فيكون الكلام كالشيء الذي بسط بعد انطوائه ، وأظهر بعد إخفائه.
وقد يجوز أيضا أن يكون تعالى إنّما
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.