المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الممتحنة» (١)
إن قيل : ممّ استثني قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) [الآية ٤]؟
قلنا : من قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) [الآية ٤].
لأنه سبحانه أراد بالأسوة الحسنة قوله الذي حكاه عنه وعن أتباعه وأشياعه ، ليقتدوا به ويتخذوه سنّة يستنّون بها ؛ واستثنى سبحانه استغفاره لأبيه ، لأنه كان عن موعدة وعدها إيّاه.
فإن قيل : فإن كان استغفاره لأبيه ، أو وعده لأبيه بالاستغفار مستثنى من الأسوة ، فكيف عطف عليه قوله (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٤] وهو لا يصح استثناؤه ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الفتح : ١١]؟
قلنا : المقصود بالاستثناء هو الجملة الأولى فقط ، وما بعدها ذكر لأنه من تمام كلام إبراهيم صلوات الله عليه ، لا بقصد الاستثناء ؛ كأنه قال : أنا أستغفر لك ، وما في طاقتي إلّا الاستغفار.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) [الآية ١٢] ، ومعلوم أن النبي (ص) لا يأمر إلّا بمعروف ، فلما ذا لم يقتصر على قوله تعالى (وَلا يَعْصِينَكَ)؟
قلنا : الحكمة فيه سرعة تبادر الأفهام إلى قبح المعصية منهنّ لو وقعت ، من غير توقّف الفهم على المقدّمة التي أوردتم في السؤال.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.