المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الحشر» (١)
إن قيل : لم قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الآية ٩].
والإيمان ليس مكانا يتبوأ ، لأن معنى التّبوّء اتخاذ المكان منزلا؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : وأخلصوا الإيمان ، كقول الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها ماء باردا. ثانيا : أنه على ظاهره بغير إضمار ولكنه مجاز ، فمعناه أنهم جعلوا الإيمان مستقرّا وموطنا ، لتمكّنهم منه واستقامتهم عليه ، كما جعلوا دار الهجرة كذلك ، وهي المدينة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) [الآية ١٢] بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم ، وحرف الشرط إنّما يدخل على ما يحتمل وجوده وعدمه.
قلنا : معناه : ولئن نصروهم على الفرض والتقدير ، كقوله تعالى للنبي (ص) : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزّمر : ٦٥] وقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] والله تعالى ، كما يعلم ما يكون قبل كونه ، فهو يعلم ما لا يكون ، أن لو كان كيف يكون.
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى للمؤمنين : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) [الآية ١٣] ، أي في صدور المنافقين أو اليهود ، على اختلاف القولين ، وظاهره : لأنتم أشدّ خوفا من الله ، فإن كان «من» متعلّقا
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.