المبحث السابع
المعاني المجازية في سورة «الصف» (١)
في قوله سبحانه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الآية ٥] استعارة. وكنّا أغفلنا الكلام على نظيرها في آل عمران. وهو قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [الآية ٨] لأنّ ذلك أدخل في باب الكلام على الآي المتشابهة ، وأبعد من الكلام على الألفاظ المستعارة. إلّا أنّنا رأينا الإشارة إلى هذا المعنى هاهنا ، لأنّه ممّا يجوز أن يجري في مضمار كتابنا هذا ، فنقول :
إنّ المراد بقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي لا تحمّلنا من التكاليف ما لا طاقة لنا به ، فتزيغ قلوبنا ، أي تميل عن طاعتك ، وتعدل عن طريق مرضاتك ، فتصادفها زائغة ، أو يحكم عليها الزّيغ عند كونها زائغة.
وقد يجوز أن يكون المراد بذلك : أي أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة ، ولا تزيغ عن مناهج الطاعة. وحسن أن يقال : لا تزغ قلوبنا بمعنى الرّغبة في إدامة الألطاف ، لمّا كان إعدام تلك الألطاف في الأكثر يكون عنه زيغ القلوب ، ومواقعة الذنوب.
وأما قوله تعالى في هذه السورة : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، فهو أوضح فيما يذهب إليه من الأول ، لأنه ، سبحانه ، لمّا زاغوا عن الحقّ ، حكم عليهم بالزّيغ عنه ، وحكمه بذلك أن يأمر أولياءه بذمّهم ولعنهم والبراءة منهم ، عقوبة لهم على ذميم فعلهم.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.