المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الرحمن» (١)
أقول : لمّا قال سبحانه وتعالى في آخر القمر : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (٤٦). ثم وصف حال المجرمين في سقر ، وحال المتّقين في جنّات ونهر ، فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتمّ تفصيل ، على الترتيب الوارد في الإجمال.
فبدأ بوصف مرارة الساعة ، والإشارة الى إدهائها ، ثم وصف النار وأهلها (٢) ، والجنّة وأهلها (٣) ، ولذا قال فيهم : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤٦). وذلك هو عين التقوى (٤). ولم يقل : لمن آمن وأطاع ، أو نحوه ، لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصّل.
وعرف بذلك ، أنّ هذه السورة بأسرها ، شرح لآخر السورة التي قبلها ، فلله الحمد ، على ما ألهم وفهّم.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). وصف النار وأهلها جاء في قوله تعالى في سورة الرحمن : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣١) إلى (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤).
(٣). وصف الجنة وأهلها جاء في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤٦) الى آخر السورة.
(٤). التقوى هي : خوفه عزوجل. وبذلك يتفق التفصيل هنا مع الإجمال في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٥٤).