المبحث السادس
لكل سؤال جواب في سورة «المنافقون» (١)
إن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) [الآية ١]؟
قلنا : لو قال تعالى : قالوا نشهد إنك لرسول الله ، والله يشهد إنهم لكاذبون ، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب ، وليس المراد أن شهادتهم هذه كذب ، بل المراد أنهم كاذبون في غير هذه الشهادة. وقال أكثر المفسّرين : إنه تكذيب لهم في هذه الشهادة ، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا ، ولم يعتقدوا أنه رسول الله بقلوبهم ، فسمّاهم كاذبين لذلك ، فعلى هذا يكون ذلك تأكيدا.
فإن قيل : المنافقون ما برحوا على الكفر ، فلم قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [الآية ٣]؟
قلنا : معناه ذلك الكذب الذي حكم عليهم به ، أو ذلك الإخبار عنهم بأنّهم ساء ما كانوا يعملون ، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم (ثُمَّ كَفَرُوا) [الآية ٣] بقلوبهم (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [الآية ٣] كما قال تعالى في وصفهم : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤) [البقرة] الثاني : أن المراد به أهل الرّدّة منهم.
فإن قيل : لم قال تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) [الآية ٤] ولم يقل هي العدو؟
قلنا : (عَلَيْهِمْ) هو ثاني مفعولي يحسبون تقديره : يحسبون كل صيحة واقعة عليهم أي : لجبنهم وهلعهم ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.