المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الحشر» (١)
في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الآية ٩]. استعارة : لأن تبوّأ الدار هو استيطانها والتمكّن فيها ، ولا يصحّ حمل ذلك على حقيقته في الإيمان. فلا بدّ إذن من حمله على المجاز والاتساع.
فيكون المعنى أنهم استقرّوا في الإيمان ، كاستقرارهم في الأوطان. وهذا من صميم البلاغة ، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. ألا ترى كم بين قولنا : استقرّوا في الإيمان ، وبين قولنا : تبوّءوا الإيمان.
وأنا أقول ، أبدا ، إن الألفاظ خدم للمعاني ، لأنها تعمل في تحسين معارضها ، وتنميق مطالعها.
وقوله سبحانه : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الآية ٢١] هو على سبيل المجاز. والمعنى أن الجبل لو كان ممّا يعي القرآن ، ويعرف البيان لخشع من سماعه ، ولتصدّع من عظم شأنه ، على غلظ أجرامه ، وخشونة أكنافه. فالإنسان أحقّ بذلك منه ، إذ كان واعيا لقوارعه ، عالما بصوادعه.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.