المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «المجادلة» (١)
أقول : لما كان في مطلع «الحديد» ذكر صفاته الجليلة ، ومنها : الظاهر والباطن ، وقوله سبحانه في [الآية ٤] منها : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ، افتتح هذه بذكر أنه سبحانه سمع قول المجادلة التي شكت الى الرسول (ص) ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها ، حين نزلت : «سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ، إني لفي ناحية البيت لا أعرف ما تقول» (٢).
وذكر بعد ذلك قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [الآية ٧]. وهو تفصيل لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤].
وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين «الحديد» و «الحشر» ، مع تأخيهما في الافتتاح ب «سبح».
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). أخرجه البخاري في التوحيد : ٩ : ١٤٤ ؛ وابن ماجة في المقدمة : ١ : ٦٧ ؛ والإمام أحمد في المسند : ٦ : ٤٦ ؛ وابن جرير في التفسير : ٢٨ : ٥ ، ٦.