المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «المنافقون» (١)
أقول : وجه اتّصالها بما قبلها : أنّ سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون ، وهذه ذكر فيها أضدادهم ، وهم المنافقون. ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة : أنّ رسول الله (ص) كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ، يحرّض بها المؤمنين ، وبسورة «المنافقون» يفزّع بها المنافقين.
وتمام المناسبة : أنّ السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين ؛ والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى (٢) ؛ والتي قبلها ، وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين (٣) ؛ والتي قبلها ، وهي الحشر فيها ذكر المعاهدين من أهل الكتاب (٤) ، فإنّها نزلت في بني النضير ، حين نبذوا العهد وقوتلوا.
وبذلك اتّضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الستّ هكذا ، لاشتمالها على أصناف الأمم ، وفي الفصل بين المسبّحات بغيرها (٥) لأنّ إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). وذلك في قوله تعالى من «التغابن» (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) [الآية ٥] الى (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧).
(٣). وذلك في الآيات [٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠].
(٤). وذلك في الآيتين [٨ ، ٩].
(٥). يعني الفصل بين الحشر ، وأولها : سبّح. والتغابن وأولها : يسبّح ، بالممتحنة والصف والجمعة والمنافقون.