المبحث الأول
أهداف سورة «الجمعة» (١)
سورة الجمعة سورة مدنية ، وآياتها ١١ آية. نزلت بعد سورة يوسف.
وقد عنيت السورة بتربية المسلمين وجمعهم على الحق والإيمان ، ودعوتهم إلى المحافظة على صلاة الجمعة ، والامتناع عن الانشغال بغيرها من اللهو أو البيع ، وقد مهّدت لذلك ببيان أنّ كلّ شيء يسبّح بحمد الله سبحانه. وقد منّ الله ، جل جلاله ، على العرب بإرسال نبيّ الهدى والرّحمة ليرشدهم إلى الخير ، ويأخذ بأيديهم إلى الطهارة والفضيلة. وقارنت السورة بين المسلمين واليهود ، وعيّرت اليهود بإهمالهم تعاليم التوراة وإعراضهم عنها ، وشبّهتهم بالحمار يحمل كتب العلم ولا يفيد منها ، وهو تشبيه رائع معناه أن التوراة بشّرت بنبيّ الله محمد (ص) ، ودعت أهلها إلى الإيمان به ، لكنهم لم ينتفعوا بهداية التوراة ، فحرموا أنفسهم الانتفاع بأبلغ نافع ، مع قرب هذا الانتفاع منهم.
تسلسل أفكار السورة
بدأت السورة بمطلع رائع ، يقرر حقيقة التسبيح المستمرّ يصدر عن كلّ ما في الوجود ، بقوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١).
جاء في تفسير النسفي : «التسبيح إمّا أن يكون تسبيح خلقة ، يعني إذا نظرت الى كلّ شيء دلّتك خلقته على وحدانيّة الله ، سبحانه ، وتنزيهه عن الأشباه ؛ أو
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.