تسبيح معرفة بأن يجعل الله بلطفه في كلّ شيء ما يعرف به الله تعالى وينزّهه ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] ؛ أو تسبيح ضرورة ، بأن يجري الله التسبيح على كلّ جوهر من غير معرفته بذلك».
وبيّنت السورة أن الله قد اختار العرب ليرسل فيهم نبيّ آخر الزمان ، ليطهّرهم ويعلّمهم القرآن والأحكام الشرعية ، وحسن تقدير الأمور بعد أن كانوا في الجاهلية في ضلال وكفر وانحلال [الآية ٢].
وقد وصف جعفر بن أبي طالب ضلال الجاهلية للنجاشي ملك الحبشة ، فقال :
«أيّها الملك ، كنّا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويّ منا الضعيف. فكنّا على ذلك ، حتّى بعث الله إلينا رسولا لنوحّده ولنعبده ، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ؛ وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الامانة ، وصلة الرّحم ، وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء .. ونهانا عن الفواحش وقول الزّور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ؛ وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ؛ وأمرنا بالصلاة ، والزكاة ، والصيام».
لقد اختار الله الجزيرة العربية ، لتحمل رسالة الإصلاح ، وليمتدّ هذا النور الهادي إلى ممالك الفرس والروم ، حيث كانت هذه البلاد العريقة قد انغمست في الترف والانحلال ...
«وبين مظاهر الفساد الشامل ، ولد الرجل الذي وحّد العالم جميعه ، وقد كان اليهود يزعمون أنّهم شعب الله المختار ، وأنّهم هم أولياؤه من دون الناس ، فبيّنت الآيات أنّهم لم يعودوا صالحين لحمل رسالة السماء ؛ فقد أخلدوا إلى الدنيا وكرهوا الموت ، لأنهم لم يقدّموا عملا صالحا ، بل قدّموا الدّسّ والخداع والوقيعة : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) مطّلع عليهم ، وسيجزيهم على عملهم [الآيات ٥ ـ ٨].
والمقطع الأخير من السورة يتحدّث عن صلاة الجمعة ، وهي فريضة أسبوعية يتلاقى المسلمون فيها لتعلّم أمور دينهم ، وتنظيم حياتهم ، وتفقّد