المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الواقعة» (١)
أقول : هذه السورة متاخية مع سورة الرحمن ، في أن كلّا منهما في وصف القيامة ، والجنة والنار. وانظر الى اتصال قوله تعالى هنا : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (١) بقوله سبحانه هناك : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) [الرحمن : ٣٧]. ولهذا اقتصر في «الرحمن» على ذكر انشقاق السماء ، وفي «الواقعة» على ذكر رجّ الأرض (٢). فكأن السورتين ، لتلازمهما واتحادهما ، سورة واحدة.
ولهذا عكس الترتيب : فذكر في أول هذه السورة ما ذكر في آخر تلك ، وفي آخر هذه ما في أول تلك ، كما أشرت إليه في سورة آل عمران مع سورة البقرة.
فافتتحت «الرحمن» بذكر القرآن ، ثم ذكر الشمس والقمر ، ثمّ ذكر النبات ، ثمّ خلق الإنسان ، والجان من مارج من نار ، ثمّ صفة القيامة ، ثم صفة النّار ، ثم صفة الجنة.
وابتدئت هذه بذكر القيامة ثمّ صفة الجنة ، ثمّ صفة النار ، ثمّ خلق الإنسان ، ثمّ النبات ، ثمّ الماء ، ثمّ النار ، ثمّ النّجوم ، ولم تذكر في «الرحمن» ، كما لم تذكر هنا الشمس والقمر ، ثم ذكر القرآن.
فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). وذلك في قوله تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) (٤).