رجّا ، وتبسّ الجبال بسّا ، ويكون الناس ثلاثة أصناف : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسّابقون من أصحاب الميمنة ، لأنّ أصحاب الميمنة على درجات ، والسّابقون أعلاهم ، وهم جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار وجماعة قليلة من التّابعين ، ومن بعدهم ؛ ثم ذكر جلّ شأنه ما أعد لهم من الجزاء ، وذكر بعده جزاء أصحاب اليمين ممّن لم يصل الى درجة السابقين ، وذكر بعد جزائهم جزاء أصحاب الشمال ، وأن سببه أنه أترفهم بنعمه ، فكفروا به ، وأنكروا أن يبعثهم بعد أن يصيروا ترابا وعظاما. وأجاب سبحانه عن هذه بأنه لا بدّ من جمعهم بعد موتهم ، ولا بدّ من عقابهم على كفرهم ، بالأكل من شجر الزّقّوم ، إلى غير هذا مما أعدّه لهم ، ثم ذكر من آياته ما يدل على قدرته على بعثهم ، فذكر أنه خلقهم من تلك النّطف التي لا يمكنهم أن يزعموا أنهم الخالقون لها ، وأنّه قدّر بينهم الموت ، وليس بمسبوق عاجز عن إعادتهم في ما لا يعلمون من الأوصاف والأخلاق ؛ ثم ذكر جلّ وعلا أنه هو الذي يخرج نبات ما يحرثون ، وأنه هو الذي ينزل من المزن الماء الذي يشربون ، وأنه هو الذي أنشأ الشجرة التي يقدحون النار منها ، وقد جعلها تذكرة لنار يوم القيامة ، ومتاعا لمن يوقدها : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) (٧٣).
ثم أمر النبي (ص) أن يقوم بتسبيحه ليخالف طريق أولئك الكافرين ، وأقسم لهم بمواقع النجوم ، أن ما ينزله عليهم في ذلك قرآن كريم ، يراد به خيرهم ، ثم وبّخهم على تكذيبهم له ، فيما حدّثهم به من تفصيل الجزاء الأخروي ؛ وذكر أنه لو صح ما يزعمون ، من أنه لا جزاء بعد الموت ، لأمكنهم أن يرجعوا أرواحهم إلى أبدانهم وقت خروجها ، ليعوّقوا الجزاء الذي ينتظرهم ؛ وإذا لم يكن هذا في إمكانهم ، فلا بد من ذلك الجزاء ، ليلقى كل شخص ما يستحقه على عمله. فإن كان من المقربين (السّابقين) ، (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) (٨٩) ؛ وإن كان من أصحاب اليمين (غير السابقين) (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (٩١) ؛ وإن كان من المكذّبين الضّالّين (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٩٦).