المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الذاريات» (١)
في قوله سبحانه في صفة حجارة القذف : (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (٣٤) استعارة. والمسوّمة : المعلمة. وأصل ذلك مستعمل في تسويم الخيل للحرب. أي تعليمها بعلامات تتميّز بها من خيل العدو ؛ شبّهت هذه الحجارة بها لأنها معلّمة بعلامات تدلّ على مكروه المصابين ، وضرر المعاقبين ، كما كانت الخيل المسوّمة تدل على ذلك في لقاء الأعداء. وإرسال هذه للعراك كإرسال تلك للهلاك.
وقيل : إن التسويم في تلك الحجارة هو أن تجعل نكتة سوداء في الحجر الأبيض ، أو نكتة بيضاء في الحجر الأسود.
وقيل : كان عليها أمثال الطوابيع والخواتيم. وقد تكلمنا على نظير هذه الاستعارة في«هود».
والمراد بقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكَ) أي خلقها سبحانه كذلك من غير أن يفعلها فاعل ، أو يجعلها جاعل. فلأجل هذه الحال وجب أن يجعل لها تعالى هذا الاختصاص بقوله : (عِنْدَ رَبِّكَ). وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك أنها مسوّمة في سلطان الله تعالى وملكوته. وفي موضع العقاب المعدّ للمذنبين من خلقه.
وفي قوله تعالى : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٣٩).
وقد قيل : إن المراد بها أنه أعرض بجنوده الذين هم كالركن له ، والحجارة دونه. وقد يسمّى أعوان المرء وأنصاره
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.