النهاية ، مشهد القيامة ، يعرض في صورة كونية ، يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة ، ومشهد العذاب للمجرمين ، ثم يعرض ألوان الثواب للمتقين ، ويصف الجنة وما فيها من نعيم مقيم أعدّه الله للمتقين ، ويبين أن منازل الجنات مختلفة ، ونعيمها متفاوت ، والجزاء على قدر العمل.
(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩).
قال المفسّرون : شؤون يبديها لا شؤون يبتديها (١) ، فهو سبحانه صاحب التدبير ، الذي لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يندّ عن علمه ظاهر ، ولا خاف ؛ والخلق كلهم يسألونه ، فهو سبحانه مناط السؤال ، وغيره لا يسأل ، وهو معقد الرجاء ومظنة الجواب.
وهذا الوجود ، الذي لا تعرف له حدود ، كله منوط بقدره ، متعلّق بمشيئته ، وهو سبحانه قائم بتدبيره.
هذا التدبير الذي يتبع ما ينبت ، وما يسقط من ورقة ، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض ، وكل رطب وكل يابس ، يتبع الأسماك في بحارها ، والديدان في مساربها ، والوحوش في أوكارها ، والطيور في أعشاشها ، وكل بيضة وكل فرخ ، وكل خلية في جسم حي.
تفسير النسفي للاية
في تفسير قوله تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩) ، قال النسفي : كل من في السماوات والأرض مفتقرون إليه ، فيسأله أهل السماوات ما يتعلّق بدينهم ، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم.
وكل وقت وحين ، يحدث أمورا ويجدّد أحوالا ؛ كما روي أنه عليهالسلام تلاها ، فقيل له وما ذلك الشأن؟ فقال : من شأن أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين. وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان ، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا ، فشأنه فيه الأمر ، والنهي ، والإحياء ، والإماتة ، والإعطاء ، والمنع ؛ واليوم الاخر ، هو القيامة ، فشأنه فيه الجزاء ، والحساب.
وقيل نزلت في اليهود حينما قالوا :
__________________
(١). تفسير النسفي ٤ : ١٥٩ ، والمعنى يظهرها امام أعين الناس ولا يبتكرها اليوم بل يقضي بوقوعها ، ومن أصول الإيمان أن نؤمن بالقضاء والقدر. والقضاء ما وقع أمام الناس والقدر ما قدّر الله وقوعه في الأزل.