الكلام على غزوة بني النضير
الآيات [١ ـ ٤]
قال الله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) ، فذكر تسبيح ما في السماوات وما في الأرض له ، وأنه سبحانه عزيز حكيم ؛ ومهّد بهذا لما أراده من بيان فضله على المسلمين في هذه الغزوة ؛ فذكر جلّ شأنه ، أنه هو الذي أخرج بني النضير من ديارهم لأول الحشر ، الذي سيكون بإخراج اليهود جميعهم من جزيرة العرب ؛ وكان المسلمون لا يظنّون أن يخرجوا ، وكانوا هم يظنون أنّ حصونهم تمنعهم من الله ، فقذف في قلوبهم الرعب حتى رضوا بالخروج ؛ ولو لا هذا لعذّبوا في الدنيا بالقتل ، ولهم في الاخرة عذاب النار ؛ ثم ذكر سبحانه أنّ ما قطعه المسلمون من أشجارهم قبل الصلح ، وما تركوه منها كان بإذنه ، وكان في أنفسهم شيء ممّا قطعوه منها ، ولعلّهم ندموا على قطعها بعد أن صار ما بقي منها لهم ؛ ثم ذكر تعالى أنّ ما أفاءه عليهم من أموالهم لم يكن بقتال ؛ وأنّ حكم ما أفاءه عليهم بغير قتال أن يكون سهم منه لله والرسول ، ينفق في عمارة المساجد ونحوها ، وسهم لذوي القربى ، وهم بنو هاشم وبنو المطّلب ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل ، فلا يأخذ لأغنياء منه شيئا ، وإنّما يأخذه فقراء المهاجرين ، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم تعويضا لهم ؛ وقد أثنى سبحانه عليهم في هجرتهم وتضحيتهم بأموالهم ، وأثنى بعدهم على الأنصار الذين آووهم في دار هجرتهم ، وطابت نفوسهم بتوزيع أموال بني النّضير عليهم ؛ وأثنى بعد الفريقين على من يجيء بعدهم ، ويسلك سبيلهم ، في ما كان من تضحية وإيثار وتحابّ ؛ ثم ذكر ما كان من قول المنافقين لبني النضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) [الآية ١١] وذكر سبحانه أنهم كاذبون في وعدهم لهم ، فلئن أخرجوا لا يخرجون معهم ، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ، ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار جميعا ؛ لأنهم يرهبون المسلمين أشد من رهبتهم من الله ، فلا يقاتلونهم إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ؛ لأنهم ضعاف بسبب عداوة بعضهم لبعض ، فيحسبهم من ينظر إليهم أنهم على وفاق ، ولكنّ قلوبهم مختلفة