المعركة ازدحم على الماء رجلان أحدهما أجير لعمر بن الخطاب ، وهو «جهجاه بن سعيد» ، والثاني حليف بني عون بن الخزرج ، وهو سنان الجهني وتضاربا. فقال جهجاه يا للمهاجرين ، وقال سنان يا للأنصار ، فاجتمع عليهما المتسرعون من المهاجرين والأنصار حتى كادوا يقتتلون ، وأوشكت أن تقوم الفتنة بين المهاجرين والأنصار. فلمّا سمع رسول الله (ص) الصراخ ، خرج مسرعا يقول : «ما بال دعوى الجاهلية»؟ فأخبروه الخبر ، فصاح غاضبا : «دعوا هذه الكلمة ، فإنّها فتنة» وأدرك الفريقين ، فهدّأ من ثورتهما ، وكلّم المضروب حتّى أسقط حقّه ؛ وبذلك سكنت الفتنة ، وتصافي الفريقان.
ولكن عبد الله بن أبيّ عزّ عليه أن تنطفئ هذه الشرارة قبل أن تحدث حريقا بين المسلمين ، وأن تموت هذه الفتنة قبل أن تذهب بما في صفوف المسلمين من وحدة وائتلاف ، فأخذ يهيّج من معه من الأنصار ، ويثير ضغينتهم ضدّ المهاجرين ، وجعل يقول في أصحابه :
«والله ما رأيت كاليوم مذلّة. لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا ، وأنكروا منّتنا ، والله ما عدنا وجلايب قريش هذه إلّا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك .. «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ» يقصد بالأعز نفسه ، وبالأذلّ رسول الله (ص).
ثم أقبل ابن أبيّ على من حضره من قومه يلومهم ويعنّفهم فقال : «هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم في بلادكم ، وأنزلتموهم منازلكم ، وآسيتموهم في أموالكم حتّى استغنوا. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم. ثمّ لم ترضوا ما فعلتم حتّى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا ، فقتلتم دونهم ، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا ، فلا تنفقوا على من حوله حتّى ينفضّوا».
وكان في القوم زيد بن أرقم ، وهو يومئذ غلام لم يبلغ الحلم ، أو قد بلغ حديثا ، فنقل كلام ابن أبيّ إلى الرسول (ص) ، فتغيّر وجه رسول الله (ص) ، وتأثّر من معه من المهاجرين والأنصار ، وشاع في الجيش ما قاله ابن أبيّ ، حتّى ما كان للناس حديث غيره ، وقال عمر للنبيّ (ص) : يا رسول الله مر بلالا فليقتله ، وهنا