فأعطاه الله ملك الريح والجن والشياطين والمردة :
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٤٠) [ص].
«إن الكون من حولنا حافل بالأسرار ، عامر بالأرواح ، حاشد بالقوى ، وهذه السورة من القرآن ، كغيرها من السّور ، تمنحنا جوانب من الحقائق في هذا الوجود ، تعين على بناء تصور حقيقي صحيح للوجود ، وما فيه من قوى وأرواح وحيوات تعجّ من حولنا ، وتتفاعل مع حياتنا. وهذا التصوّر هو الذي يميّز المسلم ، ويقف به وسطا بين الوهم والخرافة ، وبين الادّعاء والتطاول ، ومصدره هو القرآن والسنة ، وإليهما يحاكم المسلم كلّ تصوّر آخر ، وكلّ قول ، وكلّ تفسير» (١).
استماع الجن للقرآن
في كتب السنّة ، ما يفيد أن الجن قد استمعت للقرآن عرضا دون قصد ، فأسلمت وآمنت ، وانطلقت تدعو قومها إلى الإسلام.
وفي روايات أخرى ، أن النبي (ص) انطلق متعمّدا ليبلّغ دعوته إلى الجن. وقد افتقده أصحابه ذات ليلة ، فاشتدّ بهم القلق ، وباتوا بشرّ ليلة بات بها قوم ؛ فلمّا أصبحوا جاءهم النبي (ص) من قبل حراء فقال : «أتاني داعي الجنّ فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن». والروايتان السابقتان واردتان في الصحيح ؛ إحداهما عن ابن عبّاس ، يقول : إنّ النبي (ص) لم يعرف بحضور النفر من الجن ، والرواية الثانية عن ابن مسعود ، تقول إنهم استدعوه (ص) ، ويوفّق البيهقي بين الروايتين ، بأنهما حادثان لا حادث واحد.
وفي رواية ثالثة لابن إسحاق : أنّ الجن استمعت إلى النبي (ص) ، ليلة عودته من الطائف قبل الهجرة.
ولعلّ الجنّ قد استمعت للنبي (ص)
__________________
(١). في ظلال القرآن ٢٩ : ١٥١.