المبحث السابع
المعاني المجازية في سورة «القيامة» (١)
في قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) ، استعارة. والمراد ، والله أعلم ، أن الإنسان حجة على نفسه في يوم القيامة ، وشاهد عليها بما اقترفت من ذنب ، واحتملت من وزر. (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) (وإن ألقى معاذيره). أي هو ، وإن تعلّق بالمعاذير ، ولفّق الأقاويل ، شاهد على نفسه بما يوجب العقاب ، ويجرّ النكال.
وقال الكسائي : المعنى : بل على نفس الإنسان بصيرة. فجاء على التقديم والتأخير. أي عليه من الملائكة رقيب يرقبه ، وحافظ يحفظ عمله. وقال أبو عبيدة : جاءت هذه الهاء في بصيرة ، والموصوف بها مذكّر ، كما جاءت في علّامة ، ونسّابة ، ورواية ، وطاغية. والمراد بها المبالغة في المعنى الذي وقع الوصف به.
ووجه المبالغة في صفة الملك المحصي لأعمال المكلّف بأنه بصيرة ، أنّ ذلك الملك يتجاوز علم الظواهر إلى علم السرائر ، بما جعل الله تعالى له على ذلك من الأدلة ، وأعطاه من أسباب المعرفة. فهو ، للعلة التي ذكرناها ، يوفي على كل رقيب حافظ ، ومراع ملاحظ.
والتأويل الاخر يخرج به الكلام عن حيّز الاستعارة. وهو أن تكون المعاذير هاهنا من أسماء السّتور ، لأن أهل اليمن يسمّون السّتر بالمعذار ، فكأن المراد أن الإنسان رقيب على نفسه ، وعالم
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.