وفي الجزء الأخير من السورة ، تذكير للكافرين باليوم الثقيل ، الذي لا يحسبون حسابه ، والذي يخافه الأبرار ويتّقونه ، والتلويح لهم بهوان أمرهم على الله الذي خلقهم ، ومنحهم ما هم فيه من القوّة ، وهو قادر على الذهاب بهم ، والإتيان بقوم آخرين ، لولا تفضّله عليهم بالبقاء ، لتمضي مشيئته في الابتلاء ؛ ويلوّح السياق في ختام السورة بعاقبة هذا الابتلاء ، وذلك في الآيات [٢٧ ـ ٣١].
مع آيات السورة
[الآية الأولى] : قد أتى على هذا النوع ، نوع الإنسان ، زمن لم يكن موجودا حتى يعرف ويذكر.
والحين طائفة من الزمان غير محدودة. وعن ابن عبّاس وابن مسعود : أنّ الإنسان هاهنا آدم ، والحين المحدود ، وذلك أنه مكث أربعين سنة طينا ، إلى أن نفخ فيه الروح فصار شيئا مذكورا ، بعد كونه كالمنسي (١).
[الآية ٢] : إنا خلقنا الإنسان من نطفة اختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة ، مريدين ابتلاءه واختباره ، بالتكليف فيما بعد ، إذا شبّ وبلغ الحلم ، فجعلناه سميعا بصيرا ، ليتمكّن من استماع الآيات ، ومشاهدة الدلائل والتعقّل والتفكّر.
ومقصود الآية : نحن نعامل الإنسان معاملة المختبر له : أيميل إلى أصله الأرضي فيكون حيوانا نباتيّا معدنيّا شهوانيّا ، أم يكون إلهيّا معتبرا بالسمع والبصر والفكر؟
[الآية ٣] : بيّن الله للإنسان الطريق السوي ، بإرسال الرسل وإنزال الكتاب ، وهو بالخيار : إما أن يكون شاكرا لنعماء الله ، فيسير في الطريق الواضح المرسوم ، وإمّا أن يكون كافرا فيعرض ويكفر ، ويختار الضلال على الهدى.
[الآية ٤] : إنّا هيّأنا لمن كفروا بنعمتنا ، سلاسل للأقدام ، وأغلالا تشدّ بها أيديهم إلى أعناقهم ، كما يفعل بالمجرمين في الدنيا ، ونارا تتسعّر يلقى فيها بالمسلسلين المغلولين.
ثمّ تصف الآيات بعد ذلك نعيم المتّقين ، وصفا طويلا لم نجد مثله في سورة سابقة ؛ ويستمر هذا الوصف من
__________________
(١). تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ٢٩ : ١٠٩.