المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «المدّثّر» (١)
في قوله سبحانه : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) استعارة على بعض التأويلات : وهو أن تكون الثياب هاهنا كناية عن النفس ، أو عن الأفعال والأعمال الراجعة إلى النفس. قال الشاعر (٢) :
ألا أبلغ أبا حفص رسولا |
|
فدى لك من أخي ثقة إزاري |
قيل : أراد فدى لك نفسي. وكذلك قول الفرزدق :
سكّنت جروتها (٣) وقلت لها اصبري |
|
وشددت في ضيق المقام إزاري |
أي شددت نفسي ، وذمرت قلبي. والإزار والثياب يتقارب معناهما. وعلى هذا فسّروا قول امرئ القيس :
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل (٤)
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هو بقيلة الأكبر الأشجعي ، وكنيته أبو المنهال. شاعر إسلامي. وله خبر مع عمر بن الخطاب (رض) ، بشأن رجل كان واليا على مدينتهم اسمه جعدة بن عبد الله ، وكان له شأن غير مرضي مع النساء. فأرسل الشاعر بقيلة أبياتا إلى عمر يستعديه على هذا الوالي. والقصة كاملة في «لسان العرب». وذكر ابن مطرف الكناني في «القرطين» الأبيات في ص ٨٠ ج ٢ ، ولم ينسبها لقائلها ، واكتفى بقوله : روي في بعض الحديث ، أن رجلا كتب إلى عمر بن الخطاب. وفي مادة أزد في «لسان العرب» أن اسمه نفيلة ، والتصويب عن «المؤتلف والمختلف» ص ٦٢ ، حيث ورد في باب الباء لا النون.
(٣). في ديوان الفرزدق ص ٣٢٢.
فضربت جروتها وقلت لها اصبري |
|
وشددت في ضيق المقام إزاري |
وضرب الجروة : كناية عن العزم والتصميم على الأمر.
(٤). البيت بكماله هو :
وإن تك قد ساءتك منّي خليقة |
|
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل |