المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الإنسان» (١)
في قوله سبحانه : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٧) استعارة. وحقيقة الاستطارة من صفات ذوات الأجنحة. يقال : طار الطّائر ، واستطرته أنا إذا بعثته على الطّيران. ويقولون أيضا من ذلك على طريق المجاز : استطار لهيب النّار ، إذا انتشر وعلا ، وظهر وفشا. فكأنه سبحانه قال : يخافون يوما كان شرّه فاشيا ظاهرا ، وعاليا منتشرا.
وفي قوله سبحانه : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (١٠) استعارة. لأن «العبوس» من صفة الإنسان القاطب المعبّس. فشبّه سبحانه ذلك اليوم لقوّة دلائله على عظيم عقابه ، وأليم عذابه ، بالرجل العبوس الذي يستدلّ بعبوسه وقطوبه على إرصاده بالمكروه ، وعزمه على إيقاع الأمر المخوف. وأصل العبوس تقبيض الوجه ، وهو دليل السخط ، وضده الاستبشار والتطلّق وهما دليلا الرضا والخير.
وكما سمّت العرب اليوم المحمود طلقا ، فكذلك سمّت اليوم المذموم عبوسا. ويقال : يوم قمطرير وقماطر إذا كان شديدا ضرّه ، طويلا شرّه.
وفي قوله سبحانه : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (١٤) استعارة. والمراد بتذليل القطوف ، وهي عناقيد الأعناب وواحدها قطف (٢) أنها جعلت قريبة من أيديهم ، غير ممتنعة على مجانيهم ، لا يحتاجون إلى معاناة في
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). القطف بكسر القاف : العنقود ساعة يقطف ، أو اسم للثمار المقطوفة. والجمع قطوف ، وقطاف.