المبحث الأول
أهداف سورة «المزّمّل» (١)
سورة المزّمّل سورة مكية ، آياتها ٢٠ آية ، نزلت بعد سورة القلم.
إنها تحمل النداء الإلهيّ ، للنبيّ الكريم ، بقيام الليل ، وقد جعله الله فريضة في حقّه ، نافلة في حق أمته ، قال تعالى :
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) [الإسراء].
وفي كتب السنّة ، ما يفيد أن السورة من أوائل ما نزل من القرآن الكريم ؛ فقد كان (ص) يعيش بين قومه في الجاهلية ، ثم حبّب الله اليه الخلوة ، ليتأمّل في ملكوت السماوات والأرض ، وليعدّ الله هذه النفس الطيّبة لتحمّل أعباء الرسالة. ثم فجأه الوحي وهو في غار حراء ، قال له جبريل : اقرأ ، قال النبي (ص) ما أنا بقارئ ، ثلاث مرات ، فقال جبريل ، كما ورد في التنزيل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) [العلق].
وقد عاد النبي (ص) إلى خديجة رضي الله عنها وأخبرها الخبر ، فقالت له : «أبشر يا ابن عمّ واثبت ، فو الذي نفس خديجة بيده ، إني لأرجو أن تكون نبيّ هذه الأمة».
ثم فتر الوحي مدة عن النبي (ص) ، إلى أن كان بالجبل مرة أخرى ، فنظر فإذا جبريل ، فأدركته منه رجفة ، حتى جثا وهوى إلى الأرض ؛ وانطلق إلى
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.