السورة نجد مشهدا للكافرين ، وهم يتلقّون الدّعوة من الرسول الكريم ، في غيظ عنيف ، وحسد عميق ، ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة ، يوجّهونها إليه. قال جار الله الزمخشري : قوله تعالى (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) ، يعني أنّهم ، من شدّة تخوّفهم ، ونظرهم إليك سرّا ، بعيون العداوة والبغضاء ، يكادون يزلّون قدمك ، أو يهلكونك ، من قولهم : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ، أو يكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله.
وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية. وقد كان الكفار يريدون إصابة النبي (ص) بعيونهم وحسدهم ، فعصمه الله تعالى وأنزل عليه الآية.
وقد صح في الحديث من عدة طرق : «إنّ العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر».
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر مرفوعا : «إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا (١) ثمّ يتردّى منه».
وممّا يحفظ المؤمن من الحسد خمسة أشياء ، هي :
١ ـ قراءة قل أعوذ بربّ الفلق ، وقل أعوذ بربّ النّاس.
٢ ـ إخراج صدقة.
٣ ـ أن نقول : (لا اله الا الله وحده لا شريك له) ثم نقرأ قوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) عشر مرات بعد صلاة المغرب ، وعشر مرات بعد صلاة الصبح.
٤ ـ قراءة قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢).
٥ ـ وأهم شيء في الوقاية من الحسد : الثقة الكاملة والاعتقاد اليقيني بأن الله هو النّافع الضّارّ ، وأنّ أحدا لن ينفعك إلّا بإذن الله ، ولن يضرّك إلّا بمشيئة الله.
المعنى الإجمالي للسورة
بيان محاسن الأخلاق النبوية ، وسوء
__________________
(١). الحالق : الجبل المرتفع.