المبحث الأول
أهداف سورة «التحريم» (١)
سورة التحريم سورة مدنية ، آياتها ١٢ آية ، نزلت بعد سورة الحجرات.
شاء الله ، سبحانه ، أن يكون الرسول بشرا به قوّة الإنسان ، وتجارب الإنسان ، ومحاولات الإنسان ، وضعف الإنسان ، لتكون سيرة هذا الرسول الإنسان نموذجا عمليا للمحاولة الناجحة ، يراها ويتأثّر بها من يريد القدرة الميسّرة العملية الواقعية ، التي لا تعيش في هالات ، ولا في خيالات.
وهذه السورة فيها عتاب للرسول الأمين على تحريمه ما أحل الله له ، ولو كتم النبيّ (ص) من أمر القرآن شيئا لكتم هذا العتاب.
إن هذا القرآن كتاب الحياة بكلّ ما فيها ، وقد شاء الله أن يواكب الوحي حياة الرسول الأمين ، فيبارك الخطوات الناجحة ، ويقوّم ما يحتاج الى تقويم ، وبذلك تكون القدوة في متناول الناس ، قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١).
لقد عاتب القرآن رسول الله في قبوله الفداء من أسرى بدر ، وفي إذنه للمخلّفين بالقعود عن الجهاد ، وفي إعراضه عن الأعمى الذي ألحّ في السؤال ، وفي تحريمه ما أحلّ الله له.
كما عرض القرآن جوانب القوّة والجهاد والتربية والسلوك للنبيّ الأمين ، وجعل حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمّته وللبشريّة كلّها ، تقرأ فيه صورة العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.