المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الجن» (١)
أقول : قد فكرت مدة في وجه اتصالها بما قبلها ، فلم يظهر لي سوى أنه قال تعالى في سورة نوح : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١). وقال في هذه السورة : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (١٦). وهذا وجه بيّن في الارتباط (٢).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). ومن المناسبة بين السورتين : أنه تعالى ذكر في نوح : (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) (٢١) ومضى في بيان كفرهم وضلالهم ، حتّى دعا عليهم نوح : ثم بيّن في أوّل الجن : أنهم كالإنس في الإيمان والكفر ، وأن لكفّار الجن اتصالا بكفّار الإنس ، فقال تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦). (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) (١١). (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) [الآية ١٤]. فكانت هذه السورة لبيان الصلة بين الجن والإنس ، وبيان المقارنة بينهما.