المبحث الخامس
لكل سؤال جواب في سورة «التغابن» (١)
إن قيل : لم قال تعالى : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [الآية ٢] فقدّم الكافر في الذكر؟
قلنا : الواو لا تعني رتبة ولا تقتضي ترتيبا ، كما قال تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) [هود] ، وقال تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الحشر : ٢٠] ، وقال سبحانه : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] ، وقال تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٤٩) [الشورى]. وقد ذكرنا في الآية الأخيرة معنى آخر في موضعها.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) [الآية ٦] يوهم وجود التولّي والاستغناء معا بعد مجيء رسلهم إليهم ، والله تعالى لم يزل غنيا؟
قلنا : معناه : وظهر استغناء الله تعالى عن إيمانهم وعبادتهم حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ، ولم يضطرّهم إليه مع قدرته تعالى على ذلك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [الآية ١١] مع أنّ الهداية سابقة على الإيمان ، لأنّه لو لا سبق الهداية لما وجد الإيمان؟
قلنا : ليس المراد «يهد» قلبه للإيمان ، بل المراد به «يهد» قلبه لليقين عند نزول المصائب ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. الثاني «يهد» قلبه للرّضا والتسليم عند نزول المصائب. الثالث
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.