المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «المعارج» (١)
في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) (١٧) استعارة. والمراد بدعائها من أدبر وتولّى ، والله أعلم ، أنّه لما استحقها بإدباره عن الحق ، صارت كأنها تدعوه إليها ، وتسوقه نحوها. وعلى ذلك قول ذي الرمّة (٢) في صفة الثور :
غدا بوهبين مجتازا لمرتعه بذي الفوارس تدعو أنفه الرّبب والرّبب جمع ربّة ، وهي نبت من نبات الصيف.
يقول لما وجد رائحة الرّبب ، مضى نحوها ، فكأنها دعته إلى أكلها. وقد يجوز أيضا ، أن يكون المراد بذلك أنّها لا يفوتها ذاهب ، ولا يعجزها هارب.
فكأنها تدعو الهارب منها فيجيبها مدّا له بأسبابها ، وردّا له إلى عذابها.
وقال بعض المفسّرين : إنّه تخرج عنق من النار فتتناول الكافر حتّى تقحمه فيها ، فكأنها بذلك الفعل داعية إلى دخولها.
وقد يجوز أن يكون المراد أنّها تدعو من أدبر عن الحق. بمعنى أنّها تخوّفه ، بفظاعة الخبر عنها ، وتغليظ الوعيد بها ، فكأنها تستعطفه الى الرشد ، وتستصرفه عن الغيّ. وحكي عن المبرّد أنه قال : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هو أبو الحارث غيلان بن عاقبة. شاعر فحل اشتهر بالتشبيب وبكاء الأطلال ، ذاهبا مذهب الجاهليين. توفي بأصبهان سنة ١١٧ ه.