المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «القلم» (١)
أقول : لمّا ذكر سبحانه في آخر «تبارك» التهديد بتغوير الماء (٢) ، استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة يطاف عليه فيها ، وهم نائمون ، فأصبحوا لم يجدوا له أثرا ، حتّى ظنوا أنّهم ضلّوا الطريق (٣). وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة ، فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب ، ولهذا قال سبحانه : (وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠). وقال هناك : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الآية ٣٠] ، إشارة إلى أنه يسري عليه ، في ليلة ، كما سرى على الثمرة ، في ليلة.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). ورد في قوله تعالى من سورة «الملك» : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠). وتغوير الماء : جفافه.
(٣). جاء هذا في سورة القلم بقوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [الآية ١٧] إلى (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١).