على أنّ النبيّ (ص) غير مجنون كما يزعمون ، وأن له أجرا غير ممنون ، وأنه على خلق عظيم ؛ ثمّ ذكر له أنّه سيبصر ويبصرون من هو المجنون ؛ وأنه ، سبحانه ، هو الذي يعلم الضالّ والمهتدي. ونهاه أن يطيع منهم كل همّاز مشّاء بالنّميمة منّاع للخير ، إلى غير هذا ممّا ذكره من صفاتهم ؛ ومنها أن أحدهم يعطيه الله المال والبنين فيقابل هذا بتكذيب آياته أنفة وحمية ؛ ثمّ ذكر أنه سيصيبه بما يذهب بأنفته وحميته (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) ؛ وأنه يختبرهم بأموالهم وبنيهم كما اختبر أصحاب الجنّة حين أقسموا ليجنونها في الصّباح ، ولم يقولوا إن شاء الله ، فأصابها بآفة أتت على أثمارها. وقد ذهبوا إليها في الصباح ، وهم يتنادون ألّا يدخلنّها مساكين عليهم ؛ فلما رأوها اعترفوا بضلالهم ، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) ، ثمّ ذكر ، سبحانه ، أنّ عذاب أولئك المشركين في الدنيا سيكون كعذاب أصحاب هذه الجنّة ، ولهم عذاب في الاخرة أكبر من عذاب الدنيا ؛ وأنّ للمتّقين عنده جنات النعيم. وأنكر أن يسوي في هذا بين المسلمين والمجرمين ، وأنكر عليهم أن يحكموا بأنّهم في هذا مثلهم ؛ وذكر أنّه لا علم عندهم ولا أيمان تثبت هذا الحكم ؛ وأنه إذا أمكن شركاءهم أن يضمنوا لهم هذا ، فليأتوا بهم يوم يكشف عن ساق ، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، وقد كانوا يدعون إليه وهم سالمون فيأبون.
ثم ختمت السورة بأمر الله تعالى النبي (ص) أن يتركه هو ومن يكذب بما أنزل عليه ؛ وذكر له أنه سيملي لهم ليأخذهم بعذابه. ثمّ أمره أن يصبر لحكمه ولا يضيق به كما ضاق يونس (ع) حينما التقمه الحوت ، لأنّه لو لا أنّه تداركه بنعمته لأخرجه من بطنه وهو مذموم ، ولكنه اجتباه وجعله من الصالحين. ثمّ ذكر أن أولئك المشركين إنّما يحملهم أشدّ العداوة عند سماع القرآن على قولهم إنه لمجنون (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢).