المبحث السابع
المعاني المجازية في سورة «الملك» (١)
في قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) استعارة. وقد مضت لها نظائرها فيما تقدّم. والمراد بذكر اليد هاهنا استيلاء الملك وتدبير الأمر. يقال : هذه الدار في يد فلان أي في ملكه. وهذا الأمر في يد فلان أي هو المدبّر له.
فمعنى (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) أي : هو مالك الملك ، ومدبّر الأمر.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤) هو من الاستعارات المشهورة. والمراد بها ، والله أعلم ، أي : كرّر أيّها الناظر بصرك إلى السماء مفكّرا في عجائبها ، ومستنبطا غوامض تركيبها ، يرجع إليك بصرك بعيدا ممّا طلبه ، ذليلا بفوت ما قدّره.
والخاسئ في قول قوم : البعيد. من قولهم : خسأت الكلب. إذا أبعدته. وفي قول قوم هو الذليل. يقال رجل خاس أي ذليل ، وقد خسي أي خضع وذلّ. والحسير : البعير المعيى ، الذي قد بلغ السير مجهوده ، واعتصر عوده. فتلخيص المعنى أنّ البصر يرجع بعد سروحه في طلب مراده ، وإبعاده في غايات مرامه ، كالّا ، معيى ، بعيدا من إدراك بغيته ، خائبا من نيل طلبته.
وفي قوله سبحانه ، في صفة نار جهنّم ، نعوذ بالله منها : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) ، استعارتان ، إحداهما :
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.