قوله تعالى : (سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (٧) والشهيق : الصوت الخارج من الجوف عند تضايق القلب من الحزن الشديد ، والكمد الطويل ، وهو صوت مكروه السماع. فكأنه سبحانه وصف النار بأنّ لها أصواتا مقطّعة تهول من سمعها ، ويصعق من قرب منها.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) من قولهم : تغيّظت القدر : إذا اشتدّ غليانها ، ثمّ صارت الصفة به مخصوصة بالإنسان المغضب. فكأنه سبحانه وصف النار ، نعوذ بالله منها ، بصفة المغيظ الغضبان ، الذي من شأنه إذا بلغ ذلك الحدّ أن يبالغ في الانتقام ، ويتجاوز الغايات في الإيقاع والإيلام.
وقد جرت عادتهم في صفة الإنسان الشديد الغيظ بأن يقولوا : يكاد فلان يتميّز غيظا ، أي تكاد أعصابه المتلاحمة تتزايل ، وأخلاطه المتجاورة تتنافى وتتباعد ، من شدة اهتياج غيظه ، واحتدام طبعه. فأجرى سبحانه هذه الصفة ، التي هي أبلغ صفات الغضبان ، على نار جهنّم لمّا وصفها بالغيظ ، ليكون التمثيل في أقصى منازله ، وأعلى مراتبه.
وفي قوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) [الآية ١٥] استعارة : لأنّ (الذّلول) من صفة الحيوان المركوب. يقال : بعير ذلول ، وفرس ذلول : إذا أمكن من ظهره ، وتصرّف على مراده راكبه.
وضدّ ذلك وصفهم للمركوب المانع ظهره ، والممتنع على راكبه بالصّعب والمصعب.
والمعنى : أنه سبحانه جعل الأرض للناس كالمركوب الذلول ، ممكنة من الاستقرار عليها ، والتصرّف فيها ، طائعة غير مانعة ، ومذعنة غير مدافعة.
والمراد بقوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) ، أي في ظهورها وأعاليها ، وأعلى كلّ شيء منكب له.
وقال بعضهم : معنى ذلك أنه سبحانه ، لمّا أصابنا في بعض الأحيان بالرّجفان والزلازل التي لا قرار معها على وجه الأرض ، وخلق الجبال الخشن الملامس ، الصعبة المسالك ، لتكون للأرض ثقلا وللخلق معقلا ، أعلمنا سبحانه أنه ، لولا ما أنعم به علينا من تسكين الأرض وتوطئتها ، ونفي الحزونة والوعوث عن أكثرها