يُولَدْ) (٣) ليس له والد يكنى به. والقرآن بهذا ينزّه الله العلي العظيم ، عن شبهه بالآدميين الفانين ، الذين يوجدون بعد عدم ، ويعيشون وينجبون الولد والأولاد ، ثم تشتعل رؤوسهم شيبا ، ويبلغون من الكبر عتيّا ، ثمّ يموتون. وبذلك يكون الإنسان والدا ومولودا في آن واحد. أما الله سبحانه ، فتعالى علوّا كبيرا ، عن أن يلد أو يولد ، فهو منزّه عن مجانسة الآدميين ، في اتخاذ الصاحبة ، أو الزوجة ، واتّخاذ الأولاد. قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣) [الأنعام].
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) :
الكفو (أو الكفؤ) معناه المكافئ ، والمماثل في العمل والقدرة ، وهو نفي لما يعتقده بعض المبطلين ، من أنّ لله ندّا في أفعاله يعاكسه في أعماله ، على نحو ما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا ، فقد نفى سبحانه بهذه السورة ، جميع أنواع الشرك ، وقرّر جميع أصول التوحيد والتنزيه.
«وقد جعل الله سبحانه الآية الأخيرة خاتمة للايات قبلها ، فبعد أن قرر جلّ وعلا وحدانيته ، وعظيم سلطانه ، وأنّه ملاذ الكون ومخلوقاته ، وأنّه منزه عن مشابهة الإنسان ، ومماثلته ؛ لتفرّده بقدمه وأزليّته ، قال في صيغة عامّة إنّه ليس له مثيل ، ولا نظير من الخلق ، في أيّ صفة ، ولا في أيّ فعل ، ولا في أيّ شيء من الأشياء» (٢).
وقد سفّه القرآن في مواطن كثيرة ، من جعلوا لله أندادا من المخلوقات ، وبيّن أنه سبحانه الصانع الأعظم ، وما من كائن إلّا ويفتقر إليه في وجوده ، وفي معنى سورة الإخلاص يقول الله سبحانه : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ
__________________
(٢). دكتور شوقي ضيف ، سورة الرحمن وسور قصار ص ٣٨٠ ، مطابع دار المعارف.