وقد جعل الدّين الدعاء مخّ العبادة ، لأن الدّعاء اعتراف ضمني بقدرة الله تعالى وعظمته ، وأنه سبحانه الخالق ، البارئ ، الرازق ، الفعّال لما يريد ؛ وأن بيده الخير ، والأمر ، والنفع ، والضرّ ، وأنه مسبب الأسباب. وللدعاء آداب منها :
التوبة النصوح ، وأكل الحلال ، وأداء الفرائض ، واجتناب الحرمات ، والتزام التضرّع ، والخضوع في مناجاة الله ودعائه ، واليقين الكامل بأن الله تعالى هو النافع الضار ، لا رادّ لقضائه ولا معقّب لأمره : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٨٢) [يس].
وتمكينا لهذه العقيدة الإسلامية في النفوس ، علّم رسول الله (ص) ابن عمه عبد الله بن عبّاس ـ وهو غلام صغير ، وقد كان راكبا خلفه ـ كلمات ينفعه الله بهنّ في الدنيا والاخرة :
«فعن عبد الله بن عباس قال : كنت رديف النبي (ص) على بغلته فقال لي :يا غلام ، هل أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ في الدنيا والاخرة؟ قلت : نعم يا رسول الله علّمني. فقال لي : يا غلام : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك ، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء ما ضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفّت الصحف» رواه أحمد والتّرمذي ، وهو حديث صحيح.
وحيث يعلم المؤمن هذه الحقيقة ، ويحيى في فكره وقلبه صمدية الله تعالى ، فإنه لا يرجع في أمر من أموره إلّا إليه سبحانه ، ولا يتقرّب بأيّ قربى إلّا قربى تدنيه من طاعة ربّه ومرضاته ؛ وتثبيتا لحقيقة صمديّة الخالق ، من حقائق صفات الألوهية ، قال سبحانه : (اللهُ الصَّمَدُ) (٢) ، أي الله هو الغني في ذاته ، وفي صفاته ، غنى تامّا ، وهو الذي يصمد إليه أي : يرجع إليه في كل أمر صغر أو كبر.
قال أبو هريرة في تفسير كلمة الصمد : هو المستغني عن كلّ أحد ، المحتاج إليه كلّ أحد.
(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٣) : (لَمْ يَلِدْ) لم يتخذ ولدا (وَلَمْ