الراعي المربّي الذي يفتقر إليه كل شيء في الوجود ، وينقاد بأزمّته. وفي ذلك يقول جل ذكره : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠) [النحل].
قال الإمام محمد عبده : «وقوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ) (٢) : يشعر بأنه [سبحانه هو] الذي ينتهي إليه الطلب مباشرة ، بدون واسطة ولا شفيع ، وهو في ذلك يخالف عقيدة مشركي العرب ، الذين يعتقدون بالوسائط والشفعاء ، وكثير من أهل الأديان الأخرى ، يعتقدون بأنّ لرؤسائهم منزلة عند الله ، ينالون بها التوسّط لغيرهم في نيل مبتغاهم ، فيلجئون إليهم أحياء وأمواتا ، ويقومون بين أيديهم ، أو عند قبورهم ، خاشعين خاضعين ، كما يخشعون لله بل أشدّ خشية» (١).
وقد نفى القرآن كل وساطة بين العبد وربه ، وبيّن أن باب الله مفتوح على مصراعيه ، للضارعين والتائبين والسائلين ، فهو سبحانه قريب من عباده ، لا يحتاج إلى وساطة أو شفاعة ، قال تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (١٨٦) [البقرة]. وبذلك نرى ، أن الله سبحانه يرفع كلّ حجاب بينه وبين عباده ، ليتجهوا إليه بالمسألة حينما تنزل بهم بعض الخطوب ، أو حينما تصيبهم بعض الفواجع ، أو حينما يلتمسون أي مقصد من مقاصد الدنيا ، أو مقاصد الاخرة. قال تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] وقال سبحانه : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥٥) [الأعراف]. وعلى ذلك ، فالإسلام ينكر بيع صكوك الغفران ، لأن المغفرة بيد الله وحده. وينكر الإسلام الاعتراف بالذنب لرجل الدين ، حتى تصحّ التوبة ، ويمحي الذنب ، إذ أساس الإسلام ، أن الله وحده هو المقصود في كلّ شيء : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الشورى : ٢٥ ـ ٢٦].
__________________
(١). تفسير جزء عم ، للأستاذ الإمام محمد عبده ، ص ١٢٥ ، مطابع الشعب.