والنتيجة إنّ انتظار ظهور مصلحٍ يزداد الأمل بظهوره كلما إزدادت الدنيا فساداً ، له أثر نفسي متزايد لدى المعتقدين ، ويصونهم أمام أمواج الفساد المتلاطمة ؛ إنّهم لا يعرفون اليأس بمجرّد انتشار رقعة فساد المحيط ، بل بمقتضى «اقتراب موعد الوصل* يزداد لهيب الشوق والوله» فإنّهم يرون موعد الوصل والوصول إلى الهدف الذي هو نصب أعينهم ، وتزداد حدّة المنازلة مع الفساد أو المحافظة على النفس بكل شوق واستماتة.
* * *
من مجموع الأبحاث الماضية نستخلص النتيجة التالية : إنّ الأثر التخديري للانتظار يقع في حالة واحدة بأن يصبح مفهومه المسخ أو التحريف ـ كما حرّفه إلى هذا المفهوم جمعٌ من المعارضين ، ومسخه جمعٌ من المؤيدين ـ أمّا لو تُرجم إلى مفهومه الواقعي في المجتمع والفرد فيتحوّل إلى عاملٍ مهم للتربية وبناء الذات والتحرك والأمل.
ومن جملة الأسانيد الواضحة التي تؤيد هذا الموضوع ما جاء في آخر هذه الآية (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ ....). (النور / ٥٥)
ونقل عن أئمّة الإسلام الكرام المقصود بهذه الآية «هو القائِمُ وأصحابُهُ» (١).
ونقرأ في حديث آخر : (نَزَلت في المهدي).
وفي هذه الآية اشير إلى المهدي عليهالسلام وأصحابه بأنّهم (الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ، وبناءً على ذلك فإنّ تحقق هذه الثورة العالمية بدون الإيمان الراسخ الذي لا يداخله أي نوع من الضعف والتخاذل ، وبدون الأعمال الصالحة التي تفتح الطريق أمام إصلاح العالم يعدّ أمراً غير ممكن البتة ، وعلى الذين ينتظرون مثل هذا البرنامج أن يرفعوا مستوى وعيهم وإيمانهم ، وأن يجتهدوا في إصلاح اعمالهم.
ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يمنحوا أنفسهم أمل الاشتراك في حكومته فقط ، وليس الذين يتعاونون مع الظلم والاضطهاد ، وليس البعيدون عن الإيمان والعمل الصالح ، ولا الأفراد
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١٣ ، ص ١٤.