الكثير بل على الجميع ، لأنّ كلّ مجتهد كان برهة من الزمان مقلّداً أو محتاطاً لا محالة ، وكونه مجتهداً منذ بلوغه وإن كان قد يتّفق إلّا أنّه أمر نادر جدّاً ، فلا يمكن أن يكون الاجتهاد واجباً عينيّاً على كلّ أحد ، بل لعلّه خلاف الضرورة بين المسلمين. وأمّا الاحتياط فهو كالاجتهاد غير ميسور له ، لعدم تمكّنه من تشخيص موارده على أنّا لا نحتمل أن تكون الشريعة المقدّسة مبتنية على الاحتياط ، إذاً يتعيّن على العاميّ التقليد لانحصار الطريق به. وبهذا الطريق يستكشف العقل أنّ الشارع قد نصب في الشريعة طريقاً آخر إلى الأحكام الواقعيّة بالإضافة إلى العاميّ ، فلا يسوغ له أن يأخذ بالعمل بمظنوناته ويترك مشكوكاته وموهوماته ، وذلك لأنّه ليس للمقلّد ظنّ بالأحكام ، فإنّه ليس من أهل النّظر والاجتهاد ، على أنّ ظنّه كشكّه ووهمه لا أقربيّة له إلى الواقع بالنّسبة إلى شقيقيه ، لعدم ابتنائه على النّظر في أدلّة الأحكام فليس له طريق أقرب إلى الواقع من فتوى مقلّده» (١).
يلاحظ عليه : هذا لا يكون مستنداً إلّا للعاميّ المجالس للعلماء العارف بالطّرق الثلاثة إجمالاً : الاجتهاد والاحتياط والتقليد ، وما لكلّ من الأثر ، أمّا أكثر النّاس فإنّهم غير ملتفتين إلى الطرق الثلاثة ، وما للأوّلَيْن من الآثار والتّبعات ، وعلى ذلك فما ذكرناه أوّلاً أتقن.
المقام الثاني : ما يمكن أن يعتمد عليه المجتهد في جواز التقليد :
ما تقدّم كان فيما يمكن أن يستدلّ به العاميّ على جواز التقليد فهل هناك أمر آخر يمكن أن يستدلّ به المجتهد على جوازه ، وراء السيرة التي تعدّ دليلاً على الجواز لدى العاميّ والمجتهد؟.
__________________
(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى : ١ / ٨٣ و ٨٤.