العامّ والحاكم المطلق ، بل المراد منه هو القاضي فحسب ، بقرينة قوله (عليهالسلام) في نفس المقبولة : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه ، فإنّما بحكم الله قد استخفّ وعلينا ردّ ...» ويؤيّده قوله بعد عدّة فقرات : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ...» ويؤيده قوله (عليهالسلام) في المشهورة : «قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً» ونظيره في صحيحة أبي خديجة الأُخرى : «فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه».
وعليه ، فلو جاز نصب العامّي للقضاء من قبل الإمام (عليهالسلام) ، لا تصلح المقبولة لإثبات جوازه للمجتهد ، بل لا بدّ من التماس دليل آخر ، والمجعول الثّابت في حقّ الفقهاء في هذه الروايات هو كونهم قضاة فحسب ، لا حكّاماً.
قضاء المقلِّد عند الاضطرار :
ما تلوناه عليك من الأدلّة على عدم جواز تصدّي العامّي للقضاء استقلالاً أو نصباً ، إنمّا هو في حال الاختيار ، والكلام في حال الاضطرار ، فنقول :
إنّ جواز نصبه والحال هذه ممكن ، وذلك لأنّ بقاء النّظام رهن فصل الخصومات ورفع المنازعات وعليه ، إذا لم يتمكّن من الرّجوع إلى المجتهد ولم نجوّز نصب العامّي للقضاء تقليداً ، لزم أحد محاذير ثلاثة وهي :
الأوّل : إمّا أن ترفع الشّكوى إلى ديوان الظالمين وهو حرام.
الثاني : إمّا أن نمنع من الترافع إلى الأبد ، وفيه إبطال الحقوق واختلال النّظام ، ورفع الأمان والحفاظ عن الدّماء والأموال والأعراض.
الثالث : إمّا وجوب الصّبر إلى التمكّن من الرّجوع إلى الفقيه ، وفيه إيجاب العسر والحرج ، وربما لا يتمكّن المدّعي والحال هذه من إقامة الشاهد.
فحينئذ نقول : دفعاً لهذه المحاذير وحفظاً للنّظام ، لا مناص للفقيه من نصب العامّي للقضاء تقليداً في الشّبهات الموضوعيّة والحكميّة.