شبهة حول الاجتهاد الدّارج في عصرنا :
ربّما يختلج في أذهان بعض القصّر من النّاس عدم مشروعية الاجتهاد الدّارج في أعصارنا هذه مستدلاً بأنّ الفقه فيها أخذ لنفسه صورة فنيّة ، وجاء على طراز سائر العلوم العقليّة الفكرية بعد ما كان في أعصار المتقدمين من العلوم البسيطة المبنيّة على سماع الأحكام من النبيّ والأئمة (عليهمالسلام) وبثها بين الناس من دون اجتهاد من الرّاوي في تشخيص حكم الله تعالى بترجيح دليل على آخر أو تقييده أو تخصيص واحد بالآخر إلى غير ذلك من الأُصول الدّارجة في زماننا.
الجواب :
إنّ ذلك أشبه شيء بالشّبهة ويمكن الإجابة عنها بوجهين :
الأوّل : إنّ الاجتهاد بالمعنى الوسيع وإعمال النظر في الرّوايات والتدقيق في دلالتها وترجيح بعضها على بعض ، كان موجوداً في أعصارهم ، دارجاً بين أصحابهم (عليهمالسلام) ، فإنّ الاجتهاد وإن توسّع نطاقه في أعصارنا وبلغ مبلغاً عظيماً ، إلّا أنّ أصله بالمعنى الجامع بين عامّة مراتبه كان دارجاً في تلك العصور ، وإنّ الأئمة (عليهالسلام) أرجعوا شيعتهم إلى فقهاء أعصارهم ، وكانت السيرة آنذاك هي الرّجوع إليهم من دون تزلزل وتردّد ، والدالُّ على وجود الاجتهاد بهذا المعنى آنذاك عدّة من الرّوايات وهي كالتّالي :
الأُولى : ما رواه ابن إدريس (رضي الله عنه) في «مستطرفات السرائر» نقلاً عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إنمّا علينا أن نلقي إليكم الأُصول وعليكم أن تفرّعوا» (١).
__________________
(١) الوسائل : ١٨ / ٤٠ ح ٥١ ، كتاب القضاء ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.