إلى هنا تبيّن أنّ الأصل الأوّليّ هو الرّجوع إلى الفاضل دون المفضول ، هذا كلّه حول الأصل الأوّلي.
ما هو مقتضى الأدلّة الاجتهادية :
نقول : أمّا آية النفر ـ على فرض دلالتها ـ وآية السّؤال ، والروايات الإرجاعيّة ، فهي لا تشمل مورد اختلاف الفتويين ، شأن جميع أدلّة الحجيّة ، فلا محيص من التماس دليل آخر ، وليس في المقام ما يمكن الاستدلال به إلّا السيرة العقلائيّة ، وهي في مورد الاختلاف تقدّم الفاضل على المفضول ، خصوصاً في مهام الأُمور وأعاليها.
ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ ـ مد ظله ـ احتمل أنّ تقديم الفاضل على المفضول عند العقلاء من باب حسن الاحتياط ، لا من باب اللّزوم ، بقرينة رجوعهم إلى المفضول بمجرّد تحقّق أعذار غير وجيهة كبعد الطريق وكثرة المراجعين ومشقّة الوصول وإن كانت قليلة وأمثال ذلك ممّا يعلم بأنّه لو حكم العقل إلزاماً بالترجيح لما كانت تلك الأعذار وجيهة لدى العقل والعقلاء ، هذا مع علمهم إجمالاً باختلاف الرّأي بين أصحاب الفنّ.
يلاحظ عليه : أنّ مراجعتهم للمفضول مع وجود الفاضل لأحد أمرين :
الأوّل : إمّا لعدم علمهم بالمخالفة في مورد المراجعة ، وإن كان لهم علم بوجود الخلاف بين أصحاب الفنّ إجمالاً ، ولكن لمّا كانت سائر الموارد خارجة عن ابتلائهم ولم يكن لهم علم في خصوص المورد ، فإنّهم يرجعون إلى المفضول مع وجود الفاضل ، وربّما يعتقدون بوحدة النّظر والتشخيص بينهم ، لابتلاء أصحاب الفنّ بمثله في كلّ يوم مرّات ، ولأجل ذلك لا يكون وجود الفاضل سبباً لتعطيل فتوى المفضول.